مادة تربوية لتحسين السلوكيات في المدارس

قياسي

     أعجبني خبراً صغيراً ورد في الصفحة الأخيرة من أخبار الخليج بتاريخ 7 مارس 2005، نقلا عن صحيفة “صاندى تلجراف” تحت عنوان برنامج في بريطانيا لتعليم التلاميذ آداب السلوك، وقالت الجريدة في سياق الخبر أن وزارة التربية البريطانية تستثمر حاليا ملايين الجنيهات الإسترلينية في مشروع يرمى إلى تعليم تلامذة المدارس الابتدائية ” آداب السلوك” وحسن التصرف وضبط المشاعر.

     لاشك أن المطلع على هذا الخبر سوف يتوصل بسرعة بديهيته إلى الأسباب التي دعت دولة متقدمة متحضرة مثل بريطانيا إلى أن توعز لوزارة التربية لديها بأن تعمل على إعداد مثل هذا البرنامج الذي يحسن ويطور سلوكيات الأطفال في المرحلة الابتدائية، ذلك أنه من المؤكد أن الدولة لاحظت بنظرة ثاقبة إلى تدنى مستوى أخلاقيات وسلوكيات الطلبة والأطفال في هذه الفئة العمرية، وهي الفئة العمرية التي تعتبر الركيزة الأولى واللبنة الأساسية لتنشئة الأجيال على الأساليب والطرق المنضبطة وفقا لمبادئ الأخلاق السوية التي يجب أن تنشأ عليها مثل هذه الأجيال، خاصة في البدايات الأولى للتعليم التي يجب أن تغرس فيها السلوكيات الصحيحة والتصرفات المنضبطة تجاه المجتمع وتجاه الآخرين، ومن هنا يبدأ الأساس الصحيح في تربية نشء صالح في أسرته داعما لمجتمعه، ودعونا نتخيل مدى أهمية هذا الموضوع بالنسبة لدولة مثل بريطانيا حيث سيصرف على هذا البرنامج مبالغ طائلة تصل إلى ملايين الجنيهات مما يجعله برنامجا تعليميا تربويا ذي أبعاد سلوكية وخلقية ستنعكس على المجتمع كله، وسوف تكون نتائجه ذات مردود على جميع المستويات، من حيث تعود الأجيال القادمة على اكتساب معاني وأساليب انضباطية ستكون لها قيمة اجتماعية عليا تساعد على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية ضمن نسيج هذا المجتمع الراقي.

     ونحن هنا في البحرين بصفة خاصة والخليج بصورة عامة والعالم العربي والإسلامي بصورة أشمل ما أحوجنا إلى تطبيق مثل هذه البرامج السلوكية المتطورة والمرتبطة ارتباطا وثيقا بمبادئنا الإسلامية التي هي في الأصل سلوكيات نبينا الكريم وخلفائه الراشدين الذين كانوا قرآنا يمشون على الأرض، وعن طريقهم انتشرت التعاليم والمبادئ الإسلامية الصالحة لكل زمان ومكان ونقلوها إلى ربوع الأقطار التي فتحوها.  والناظر اليوم إلى سلوكيات أطفالنا وزهرات أكبادنا في المدارس يرى العجب العجاب من التصرفات الرعناء التي تسود كثير من الفئات الشابة الصغيرة، التي تنحو بسلوكياتها إلى منحى خطير من عدم المبالاة إلى كل ما له صلة بقيمنا الإسلامية الحنيفة التي ارساها القرآن الكريم وأمر نبيه الكريم بأن يكون القدوة الحسنة في الأخلاق وأن يرشد سلوكيات الأمة ويهديها إلى الطريق القويم المستقيم تنفيذا لقوله تعالى “كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”.  إن المتأمل لاسم الوزارة المختصة بتربية وتعليم النشء وهو “وزارة التربية والتعليم”، يرى إن اسم الوزارة ابتدأ بالتربية وليس بالتعليم، ذلك أن الأساس الفطري للبشر هو التربية الصالحة سواء ضمن نسيج الأسرة أو المدرسة أو المجتمع الكبير، ثم يأتي التعليم في مرحلة تالية ليصقل ويسمو بما بدأه المجتمع من تحسين سلوكيات الفرد وهو في بذرته الأولى قبل أن يخطو نحو تعلم أول حرف في سلم التعليم الصاعد له.

     وما أحوجنا في هذه المرحلة، إلى أن ننظر بتمعن كبير نحو المواد الاجتماعية السلوكية التي تدرس سابقا وحاليا حول هذا المفهوم، ونتذكر ونحن صغار أن هناك مادة تربوية تدرس لنا تسمى مادة الدين، وهذه المادة تتضمن آيات قرآنية علينا حفظها وتلاوتها وكذلك أحاديث نبوية تكمل تلك السور والآيات من القرآن الكريم دون التمعن والتعمق في المعاني وخاصة ما يتعلق منها بالسلوك الاجتماعي نحو الآخرين من أقارب وأصدقاء وزملاء ومعارف ومسئولين وأصحاب أعمال وغير ذلك من فئات المجتمع، بحيث تؤّصل فينا السلوكيات والتصرفات التي تهدينا إلى الخير وتقوى فينا أصالة المحبة والإخلاص والتآلف بين الأفراد واحترام وتقدير الآخرين، خاصة في آرائهم ومعتقداتهم واتجاهات فكرهم وبذلك يكوَنوا نسيجا أخلاقيا حضارياً يسمو على المصلحة الذاتية الآنية التي تحكمت فينا جميعا وانعكست آثارها، بحيث اصبح الإنسان الآخر المخالف في الرأي وفي العقيدة وفي المذهب هو عدو يجب أن نحاربه بكل ما أوتينا من قوة، دافعنا في ذلك الحقد والكراهية والنية المبَيتة في التخلص من الآخر، وفي اعتقادي انه حان الوقت لتفكر وزارة التربية والتعليم لدينا في إعداد وتطوير مادة تعليمية تسمى آداب السلوك، تفرض على طلاب المرحلة الابتدائية بحيث تعتبر من المواد الرئيسة التي لابد للطالب من أن ينجح فيها، ذلك إن هذه المرحلة بالذات تحتاج إلى زرع البذرة الأولى من السلوكيات الطيبة الراشدة في عقول هذا الجيل لينشأ جيل صالح ينفع أسرته ومجتمعه وبلاده، ومما لا شك فيه ومن الضروري أن تتضمن هذه المادة السلوكية آيات قرآنية وأحاديث نبوية تحث على الأخلاق العالية والسلوكيات المتزنة واحترام الرأي الآخر وحرية التعبير، وأسلوب المناقشات الهادئة الرزينة التي تحترم الآخرين وآداب السلوك والتعارف بين أفراد الأسرة والمجتمع والتي يكون الفرد فيها عنصرا بنَّاءاً لا عنصراً هدَّاماً يسعى دائما إلى خلق التوترات بينه وبين أفراد المجتمع.  وهذا في ظني ما يسعى ويهدف إليه البرنامج البريطاني الذي تكلمنا عنه في مقدمة هذا المقال، والذي على ضوئه أصدرت الحكومة البريطانية تعليماتها إلى مسئولي التربية بتقديم نهج السلوك الواجب إتباعه والذي يفرض السيطرة على المشاعر والقدرة على العيش في المجتمع، وهي صفات يفتقر إليها كما قالت الصحيفة بعض التلاميذ في هذه المرحلة.

     أتمنى على وزارة التربية والتعليم في البحرين أن تفكر مليا في تطوير مختلف المواد التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بسلوكيات الطلاب وتربية نفوسهم على كل ما يتعلق بالمبادئ الأصيلة التي تضمنها قرآننا الكريم والسنة النبوية الحميدة.

أضف تعليق